محطات تاريخية ومستقبل واعد... العلاقات الروسية - السعودية وتغير موازين القوى

تشهد العلاقات الروسية - السعودية، تناميا ملحوظا أخيرا على جميع المستويات، بما فيها التنسيق والتعاون المرتبط بـ "أوبك+".
Sputnik
يعد التنسيق والتعاون بين البلدين تحولا استراتيجيا، أثّر بدرجة كبيرة على المستوى الثنائي، وكذلك على مستوى العلاقات العربية الروسية، لاسيما الخليجية.
يوم الأمس الأربعاء، أفادت الخدمة الصحفية للرئاسة الروسية (الكرملين)، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرى محادثة هاتفية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود.
وفق ما ذكر الكرملين أن "بوتين وبن سلمان ناقشا موضوع ضمان الاستقرار في سوق الطاقة العالمي".
اتخذت "أوبك+" العديد من القرارات على مدار العامين الماضيين، كان أبرزها عمليات التخفيض الإلزامية والطوعية للحفاظ على استقرار أسواق الطاقة، ورغم الضغوط الغربية وفي المقدمة منها الأمريكية، أكدت المنظمة استقلال قرارها وفقا لما يتماشى مع دراسات السوق وآليات العرض والطلبن وعدم الرضوخ لمحاولات الابتزاز الغربي.
بوتين يناقش مع ولي العهد السعودي التعاون في "أوبك+"
لوحظ أخيرا مدى التنسيق بين روسيا والسعودية على مستويات عدة، إذ لم يقتصر الأمر على مستوى النفط فقط.
في مارس/ آذار 2023، أكد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، خلال جولة دبلوماسية إلى موسكو، وفي مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، أن المملكة تسعى لتعزيز وتطوير العلاقات مع روسيا على جميع الصعد.
في المقابل قال لافروف حينها، إن موسكو تؤكد حرصها على التعاون مع السعودية في كل المجالات.
وأسهم التنسيق بين البلدين والدول الأعضاء في "أوبك+" في الحفاظ على استقرار سوق الطاقة، في وقت كانت تسعى دول الغرب لإحداث فوضى في الأسواق بما يخدم مصالحها ويضر بالدول المنتجة للنفط.

مجالات التعاون

يشمل التنسيق والتعاون بين الروسيا العديد من المجالات، التي تعرف تطورا ملحوظا أخيرا، وفتح المزيد من أوجه التعاون بين البلدين.
وتعود العلاقات الروسية – السعودية إلى الحقبة السوفيتية، حيث كان الاتحاد السوفيتي الدولة الأولى غير العربية، التي اعترفت في العام 1926 بالمملكة دولة مستقلة. ومنذ ذلك التاريخ ظلت العلاقات بين البلدين قائمة، غير أنها مرت بمستويات متباينة دون أزمات أو عقبات.
في فبراير/ شباط 2023، أعلن السفير الروسي لدى الرياض سيرغي كوزلوف، في مقابلة مع وكالة "سبوتنيك"، أن هناك شروطا مسبقة لنمو التجارة بين روسيا والسعودية، ويعتزم الطرفان الوصول إلى رقم 5 مليارات دولار.
بوتين وبن سلمان يناقشان دور السعودية في "بريكس" ويعربان عن الرضا بمستوى التنسيق في "أوبك +"

حجم التبادل

ووفقًا للسفير الروسي، تتميز العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية بديناميكيات إيجابية، رغم أنه وفقًا للبيانات الأولية، في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2022، انخفضت قيمة التجارة الروسية السعودية بشكل طفيف.
وقال: "ومع ذلك، فإن حجمها البالغ 1.6 مليار دولار كبير للغاية. في رأينا، هناك شروط جيدة لمزيد من النمو في عام 2023. علاوة على ذلك، يعتزم الجانبان الروسي والسعودي في المستقبل المنظور الوصول إلى 5 مليارات دولار".
وفق الخبراء فإن مستوى التفاهم والتنسيق والتعاون يمهد لطفرة هامة تشمل العديد من القطاعات والمجالات.
في مارس/ آذار 2021، خلال مؤتمر صحفي، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن البلدين سيعملان على تعزيز العلاقات المشتركة، في إطار الجوانب الاقتصادية.
وكشف لافروف عن استثمار 2.5 مليار دولار في مشاريع مشتركة بين صندوقي الإستثمار في البلدين. إضافة إلى وجود فرص واعدة في استكشاف الفضاء والطاقة النووية، جنبا إلى جنب مع التعاون القائم في سوق الطاقة في الوقت الحالي.

محطات تاريخية

يقول العميد فيصل العنزي الخبير العسكري والمختص بالعلاقات السعودية- الروسية، إن العلاقات بين البلدين ممتدة لعقود طويلة، حيث كانت أول زيارة رسمية للملك فيصل بن عبد العزيز في مايو/أيار عام 1932، عندما كان وزيرا للخارجية.
يذكر أنه في عام 1930، حوّلت القنصلية الروسية في جدة إلى سفارة، وفي 17 سبتمبر/أيلول عام 1990، حيث صدر بيان مشترك يعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية على أسس ومبادئ دبلوماسية ثابتة.
وزير الطاقة السعودي: واثقون من أن روسيا ستفي بتعهداتها بشأن خفض إنتاجها من النفط

مرحلة جمود

وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "العلاقات بين البلدين منذ 1991، وحتى منتصف العقد الأول من القرن الحالي استمر الفتور في العلاقات، حتى زيارة الرئيس فلاديمير بوتين عام 2007، وكان الملك عبد الله بن عبد العزيز في استقبال الرئيس الروسي، وهي الزيارة التي أذنت بتطور العلاقات بين البلدين في جميع المجالات".

فترة ذهبية

يرى أن الفترة الذهبية في العلاقات بين البلدين كانت بين 2015 إلى 2019، حيث شهدت تطورات ملحوظة ومنها زيارات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو ولقاء الرئيس الروسي، وكذلك زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، حيث استقبله الرئيس الروسي بشكل متميز يشبه استقبال القياصرة، وفق العنزي.
يوضح العنزي: "قوة وعمق العلاقات بين روسيا والسعودية تجلى حين رفضت السعودية طلب الرئيس الأمريكي بايدن، تأجيل إعلان تخفيض 2 مليون برميل نفط لما بعد نوفمبر 2022، حتى إجراء الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي، كما رفضت كل الضغوط الغربية المستمرة".
وفق العنزي، فإن العديد من القضايا المشتركة تهم الرياض وموسكو، بما فيها القضية السورية، والسودان، حيث تعمل كل من الرياض وموسكو على إرساء الاستقرار في المنطقة.

المجال العسكري

في قمة 2017 وخلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز، أعلنت الشركة السعودية للصناعات العسكرية توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "روزوبورن إكسبورت" الروسية من شأنها توطين واستدامة صناعة "أسلحة نوعية ومتقدمة جدا" بالمملكة، بما يحقق أهداف رؤية المملكة 2030، وتشمل نقل تقنية صناعة كل من أنظمة "كورنت-أي أم" و"توس-1 أي" و"أي جي أس-30".
ووفق الوكالة السعودية، فقد نصت مذكرة التفاهم على التعاون لوضع خطة لتوطين صناعة وصيانة أجزاء من نظام الدفاع الجوي أس-400، وعلى توطين صناعة سلاح كلاشنيكوف "أي كي-103" وذخائره بالسعودية أيضا.
ولي العهد السعودي: المملكة مستعدة لبذل جهود الوساطة بين روسيا وأوكرانيا
وفي أغسطس/ آب 2021، أبرمت السعودية وروسيا اتفاقية تهدف لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، وقعها عن الجانب السعودي الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع، وعن الجانب الروسي نظيره ألكسندر فومينو.
ويرى العنزي أن مذكرات التفاهم التي وقعت بين الجانبين منها ما وقع في العام 2017، والمتعلقة بتوطين التصنيع العسكري، في ظل اهتمام المملكة بالصناعات العسكرية الروسية، وفي مقدمتها( إس 400)، والعديد من الأسلحة الأخرى.
وأشار إلى أن الأقمار السعودية الخاصة بالاتصالات والاستشعار عن بعد حملتها الصواريخ الروسية إلى الفضاء، بناء على اتفاقية بشأن الفضاء بين البلدين، وهو ما يترجم قوة العلاقات.
ولفت إلى أن مستوى العلاقات يمكن قراءته أيضا في الأزمة الأخيرة، إذ كان الأمير محمد بن سلمان، أول من أعلن عن استعداده للوساطة بين روسيا وأوكرانيا.
وفي أكتوبر/ 2019، أعلن وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان عن توقيع 20 اتفاقية مع روسيا لتطوير العديد من المجالات مع روسيا.
شملت الاتفاقيات إعلان نوايا مشترك بين الهيئة السعودية للفضاء في المملكة العربية السعودية ومؤسسة الفضاء الحكومية في جمهورية روسيا الإتحادية للتعاون في مجالات "الرحلات الفضائية المأهولة" و"نظام الملاحة بالأقمار الصناعية – فلوناس، وتبادل إطار التعاون الاستراتيجي السعودي الروسي".
يؤكد خالد الجاسر الخبير الاقتصادي ورئيس مجموعة أماكن الدولية، أن العلاقات السعودية- الروسية، في تنام وتطور نوعي يؤكد عزم وثقة البلدين عبر الزيارات التاريخية المتبادلة وحرصهما على تعزيز وانتظام التواصل المباشر الذي بدأ منذ عام 1932م، عندما زار الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز - وهو وزيرًا للخارجية في عهد والده الملك المؤسس موسكو عام إعلان تأسيس "المملكة العربية السعودية".
وخلال الفترة ما بين 2015 إلى 2018، زار سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان روسيا عدة مرات وكانت السمة الرئيسية لهذه الزيارات هي تعزيز وانتظام التواصل المباشر بين مسؤولي البلدين في مختلف القطاعات.
وفي عام 2017، زار الملك سلمان بن عبد العزيز موسكو وهي أول زيارة لملك سعودي إلى موسكو، وشهدت احتفاءً مميزًا من الرئيس "بوتين". وتوقيع مذكرة تفاهم حول تطوير قطاع صناعة الأنظمة العسكرية والأسلحة في المملكة، بالإضافة إلى توفير برامج تعليم وتدريب كوادر وطنية في مجال الصناعات العسكرية لتأمين مئات الفرص الوظيفية المباشر، كما شملت الاتفاقيات خطة لنقل التقنية والمعرفة للمملكة ومذكرة تفاهم تضمنت نسبة التوطين والمحتوى المحلي ووضع خطة لتوطين صناعة واستدامة أجزاء من نظام الدفاع الجوي المتقدم منها(S-400) وأنظمة كورنيت إي أم وراجمة الصواريخ توس- ون أيه وراجمة القنابل(AGS-30)، وسلاح كلاشنكوف أيه كيه 103 وذخائره.
السفير الروسي: الرياض لن تنضم إلى تحالف الغرب ضد موسكو

تعاون متبادل المنفعة

يضيف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الرئيس الروسي بوتين زار المملكة في أكتوبر 2019، على رأس وفدًا كبيرًا تضمّن مسؤولين ورجال أعمال توجت بتوقيع حزمة أخرى من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم.
يوضح الجاسر: "وصلت قيمة التبادل التجاري بين السعودية وروسيا إلى 1.5 مليار دولار في عام 2021، وارتفعت صادرات السعودية لروسيا إلى 81 مليون دولار، وذلك من 49 مليوناً في عام 2020".
وفي عام 2019، وصلت الصادرات السعودية لروسيا إلى أعلى قيمة لها في خمس سنوات عند 131 مليون دول، وفي أوائل 2023 أكد الطرفان عزمهما الوصول إلى رقم 5 مليارات دولار للتبادل التجاري.
وتابع: "تعد القضايا ذات الأولوية للتطوير التدريجي للتعاون الروسي السعودي المتنوع متبادل المنفعة، وفق خطط وتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقاً على مستوى كبير، سواء الدبلوماسية والمجالات الأخرى.. مع الحفاظ على سوق الطاقة العالمية، وتحقيق عوائد جيدة للاستمرار في الاستثمار في قطاع الطاقة والنفط، التي تشير عنها الأرقام والمؤشرات بتنامي وتيرة التعاون والتبادل بين البلدين".
ولفت إلى أن "المملكة مثلاً مهتمة بزيادة استيراد المواد الغذائية والزراعية من روسيا، والذي يبلغ حجم التداول التجاري الحالي فيها 700 مليون دولار، وفي ازدياد للضعفين أو أكثر، وكذلك التنسيق بين البلدين على مستوى "أوبك+" الذي خلق حالة من التقارب وفتح أفاق لجميع المجالات وفي مقدمتها الصناعية والعسكرية، التي تسعي المملكة للوصول إلى 50% في الصناعة المحلية، وعدم تحفظ روسيا على نقل التكنولوجيا للسعودية".
وفق الجاسر، فإن "المملكة تريد أن تعتمد على نفسها على تصنيع السلاح، وهو ما يتطلب وجود شراكات مع جميع الدول اللاعبين الأساسيين في السياسية الدولية ومنطقة الشرق الأوسط، ومنها روسيا والصين".
مناقشة