تمديد اتفاقية المياه.. "ابتزاز سياسي" إسرائيلي وحاجة أردنية ملحة

في خضم التوتر بين إسرائيل والأردن، على خلفية موقف عمان الرافض للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يأتي ملف تجديد اتفاقية المياه ليصعد من الوضع القائم.
Sputnik
وطالب البرلمان الأردني الحكومة بإلغاء الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، فيما هددت تل أبيب بإلغاء تمديد اتفاقية المياه، لكن الحكومة الأردنيةأعلنت ثبات موقفها في "دعم الفلسطينيين ضد العدوان الإسرائيلي".
العاهل الأردني يحذر من خطورة الهجوم الإسرائيلي على رفح واستمرار عنف المستوطنين في الضفة الغربية
وكشفت تقارير صحفية إسرائيلية أن الأردن طالب إسرائيل بتمديد اتفاقية المياه عبر وسطاء، فيما وضعت تل أبيب العديد من الشروط أبرزها، وقف التصعيد والتهديد من قبل المسؤولين والبرلمانيين الأردنيين ضد إسرائيل.
وطرح البعض تساؤلات بشأن سبب مطالب الأردن بتمديد الاتفاقية، ومدى إمكانية استغلال إسرائيل لهذه الحاجة عبر الابتزاز السياسي للموقف الأردني.
ابتزاز إسرائيلي
قال الخبير القانوني الأردني، حمادة أبو نجمة، إن الأردن بطبيعة الحال يعاني من نقص شديد في المياه، وهو يعتمد على هطول الأمطار السنوية كمصدر رئيسي، وهو ما قل في السنوات الماضية، وهذا الشح أدى إلى توقيع الحكومة الأردنية عام 1994، ضمن اتفاقية السلام اتفاقية للحصول على 55 مليون متر مكعب مياه من إسرائيل سنويًا، وفي عام 2021 وقع اتفاقية جديدة تتضمن تزويد الأردن 50 مليونًا إضافيًا، أصبحت الكمية 105 ملايين متر مكعب، والاتفاقية الأخيرة تنتهي في شهر أيار/مايو المقبل، ولم يتبق وقت طويل.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، الأردن بحاجة ماسة إلى كميات مياه لسد حاجته السنوية، خاصة في ظل نقص الهطول المطري، بالتالي يحتاج إلى مياه الشرب والزراعة، بيد أن إسرائيل تستغل هذه الحاجة للضغط على الحكومة الأردنية للتخفيف من حدة الانتقادات التي توجه من المسؤولين الأردنيين والمواطنين والبرلمانين والناشطين، الذين يطالبون بقطع العلاقات مع إسرائيل، والتي أدت في النهاية لسحب السفراء بين البلدين.
ومضى قائلًا: "يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تمارس الابتزاز حاليًا ضد الأردن، وتماطل في تجديد الاتفاقية، وتطالب بإعادة العلاقات لطبيعتها، وإعادة السفراء والحد من الانتقادات وأي ممارسات شعبية أو رسمية ضد إسرائيل، وهذا غير ممكن، لأن طبيعة المواطنين في الأردن لهم موقف واضح من إسرائيل، لا سيما في ظل الممارسات التي تمارسها في قطاع غزة والضفة الغربية، وليس سهلا على الحكومة أن تمنع المواطنين من التعبير عن آرائهم".
مساعدة رئيس البرلمان الأردني لـ"سبوتنيك": موقف عمان من فلسطين يرهب إسرائيل
وأوضح أن الحكومة الأردنية تعيش في أزمة الآن بالمقارنة مع الحاجة الماسة للمياه، فيما يعتقد الخبراء أن الأردن بإمكانه الاستغناء عن حاجته للمياه من إسرائيل ويتوجه لمصادر أخرى، مثل الاستعانة بدول عربية خاصة سوريا، التي يمكنها تزويد الأردن بكميات كافية من المياه النظيفة، لا سيما وأن إسرائيل تزود الأردن في الكثير من الأحيان بمياه عادمة غير نظيفة لا تصلح للشرب وأحيانا حتى للزراعة.
وقال الخبير القانوني الأردني، حمادة أبو نجمة، إن الحلول ضيقة وتحتاج إلى علاقات جيدة مع الجانب السوري، وهو أمر يبدو غير ممكن الآن ولم تتوجه الحكومة إلى هذا الحل، ومن الضروري أن يبحث الأردن عن حلول أخرى للحصول على كمية المياه الكافية، وهناك مشاريع وبرامج اقترحها الخبراء لاستغلال المياه الجوفية بكميات كبيرة، لكن هناك خلاف بين الخبراء حول مدى جدوى هذه المشاريع ناحية الكلفة ونوعية المياه.
واستطرد: "ما هو ثابت حاليا كل المطالبات التي كانت تطالب الحكومة بالوقف وإلغاء الاتفاقيات مع إسرائيل أصبحت حقيقية، وكان يفترض ألا تتم هذه الاتفاقيات أو وقفها حاليًا، لأن الحكومة الإسرائيلية الآن كما توقع الجميع تمارس الابتزاز ناحية الأردن بخصوص هذه الاتفاقيات، حيث تعرف تماما مدى حاجة الأردن لكمية المياه هذه، بالتالي تطالب الحكومة أن تخفف من حدة الانتقادات وعودة السفراء وغيرها من الضغوط السياسية لا يمكن تسميتها بغير ممارسة الابتزاز".
حاجة أردنية
بدوره اعتبر نضال الطعاني، المحلل السياسي والبرلماني الأردني السابق، أن الأردن من الدول الأكثر فقرًا في العالم، وتحتاج المياه لاستعمالات متعددة، لسد حاجات المواطنين من الشرب، وللأغراض الزراعية والصناعية كذلك.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، وقف الأردن أمام إسرائيل التي لا تحترم القوانين الإنسانية وتستخدم الهولوكوست والقوة المفرطة في قطاع غزة والضفة الغربية، وساند الموقف الدولي ضد أعمال العنف غير الإنسانية وجرائم القتل والتشريد والتجويع التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين، في تحد واضح لقرارات الشرعية الدولية.
برلماني أردني: إلغاء اتفاقية المياه مع إسرائيل لن يغير موقفنا من فلسطين ولدينا بدائل
وأوضح أن "هناك خطوط اتصال من خلال وسطاء بين الأردن وإسرائيل، من أجل استدامة الحياة ومحاولة ربط الشعب الفلسطيني بمحيطه العربي والدولي، ليكون الأردن المتنفس الوحيد لهم عبر حدوده، لذلك تقوم هذه الوساطات بمحاولة تقريب وجهات النظر بين الأردن والاحتلال".
وأكد أن "اتفاقية المياه الموقعة تعتبر استثنائية، ودائما ما يهدد بها نتنياهو بين الحين والآخر، لكن الأردن بحاجة ماسة إلى هذه المياه، مضيفًا: "كون الدولة الأردنية قد تأخرت في إنهاء خط المياه الوطني، ستتحمل عبء هذه الاتفاقية، سواء السياسي أو الشعبي، وهو تحد حقيقي لدى السياسيين، لمنع ربط مقدرات الأردن بالعدو الإسرائيلي".
موقف أردني
وكان النائب محمد العلاقمة، رئيس لجنة المياه والزراعة بمجلس النواب الأردني، قد أكد لـ "سبوتنيك"، أن الأردن أول من بادر بمراجعة الاتفاقيات مع إسرائيل، ومن ضمنها اتفاقية "النوايا"، المياه مقابل الطاقة، وأحالها مجلس النواب للجنة القانونية منذ بداية الحرب على قطاع غزة.
وقال العلاقمة إن "القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأردن، وله موقف ثابت على مستوى القيادة والشعب، ولا تغيير أو حياد عن نصرتها، ولن تنجح أي ضغوط يمكن أن تمارس على الأردن لدفعه لتغيير موقفه من العدوان الإسرائيلي الغاشم وحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في القطاع، بالمخالفة لكافة الأعراف والقوانين الدولية والأخلاق الإنسانية، في قتل الأبرياء من الأطفال والنساء، وتدمير المستشفيات والمدارس والمساجد والبنى التحتية بهذا الشكل".
رئيس الوزراء الأردني عن وجود جسر بري من بلاده إلى إسرائيل: قصص من وحي الخيال
وفيما يتعلق بالبدائل أمام الأردن لتأمين حاجته من المياه، قال إن العمل جار لتأمين الاحتياجات من الداخل، حيث تقوم الجهات الحكومية المعنية بحفر الآبار وتجديد مصادر المياه، إضافة إلى تسريع وتيرة العمل في مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر، الذي يوفر أكثر من 300 مليون متر مكعب من المياه سنويًا.
وأكد محمد العلاقمة أن الحكومة تعمل كذلك على تقليل نسبة الفاقد من المياه، والذي يصل إلى 48 في المئة، وهذه المشاريع من شأنها أن يؤمن للأردن ما يزيد عن 450 مليون متر مكعب من المياه سنويًا.
واعتبر العلاقمة أن الوضع المائي في الأردن جيد وتحت السيطرة، ويتكيف الشارع معه، بالاعتماد على ثقافة ووعي الشعب الأردني في هذا الصدد، حيث لن تنجح هذه الضغوط في دفع الأردن لتغيير موقفه من الوقوف بجانب الشعب والقضية الفلسطينية، وحتى تنفيذ المطالب التي طالما نادى بها العاهل الأردني، والمتمثلة في إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، ودون ذلك لن تنعم إسرائيل بالأمان والاستقرار.
وقالت القناة 24 الإسرائيلية إن المملكة الهاشمية توجهت في الآونة الأخيرة إلى إسرائيل بطلب تمديد اتفاقية زيادة إمدادات المياه لعام إضافي، التي من المفترض أن تنتهي في شهر أيار/مايو.
وأفادت بأن إسرائيل نقلت رسالة إلى الأردن تضمنت عددا من الطلبات مقابل تمديد اتفاقية زيادة إمدادات المياه أبرزها التخفيف من حدة تصريحات المسؤولين الأردنيين، بما يشمل وزراء ونواب برلمانيون، ضد إسرائيل- والتخفيف من التحريض داخل المملكة ضد إسرائيل، ونقلت رسالة بخصوص أهمية إعادة العلاقات بين البلدين الى شكلها الطبيعي، بما يشمل عودة سفراء البلدين إلى عمان وتل أبيب.
إسرائيل تدرس عدم تجديد اتفاقية المياه مع الأردن بسبب موقفه الرافض للحرب على غزة
وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلن الصفدي تعليق اتفاقية "الماء مقابل الكهرباء" بين إسرائيل والأردن منذ بدء الحرب.
وقال الصفدي في تصريحات إعلامية: "لن نستطيع مواصلة اتفاقية الطاقة مقابل المياه، لأنه لا يمكن لوزير أردني أن يجلس إلى جانب وزير إسرائيلي لتوقيع اتفاق، بينما هم يقتلون إخواننا في غزة".
وجاءت تصريحات الصفدي في أعقاب تصاعد المطالبات في الأردن للحكومة بالامتناع عن توقيع اتفاقية تبادل الطاقة، التي تُعرف في عمان بصفقة "الماء مقابل الكهرباء" مع تواصل مشاهد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي خلّف عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وأوضاعا إنسانية صعبة للغاية.
وكان الأردن والإمارات وإسرائيل قد وقعت في 2021 إعلان نيات "للدخول في عملية تفاوضية، لبحث جدوى مشروع مشترك لمقايضة الطاقة بالمياه".
ويهدف المشروع الذي أُطلق عليه مشروع الرخاء إلى تصدير 600 ميغاوات من الطاقة الشمسية إلى إسرائيل، مقابل الحصول على المياه المحلاة إلى الأردن.
وبموجب اتفاقية المياه الحالية، تنقل إسرائيل 100 مليون متر مكعب من المياه إلى الأردن كل عام، بدلا من 50 مليون متر مكعب من المياه، كما نصت اتفاقية السلام بين البلدين، وذلك مقابل إنتاج الكهرباء في الأردن لإسرائيل.
مناقشة