هل تقف واشنطن وراء تعطل توصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي؟

يطرح تأخر توصل تونس إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي العديد من نقاط الاستفهام حول خلفيات هذا التعطيل، فيما اتجهت قراءات إلى وجود "فيتو أمريكي" ترفعه واشنطن ضد تونس.
Sputnik
وتحصلت تونس، في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2022، أي منذ حوالي سنة، على موافقة "مبدئية" من صندوق النقد الدولي لمنحها قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار على 4 سنوات، قبل أن يتخذ خبراء الصندوق قرارا بإرجائه إلى أجل غير مسمى.
وتواجه تونس سباقا مع الزمن لتعبئة موارد مالية لغلق موازنة 2023، التي تعاني من نقص بقيمة 15 مليار دينار (5 مليار دولار)، بالإضافة إلى حاجتها إلى سداد ديون خارجية مستوجبة، قبل نهاية السنة الحالية.
الرئيس التونسي: شروط صندوق النقد بمثابة "عود ثقاب يشتعل إلى جانب مواد شديدة الانفجار"
ويبدو أن المساعي التي قادتها، أخيرا، بعض الدول الأوروبية على غرار فرنسا وإيطاليا من أجل دفع صندوق النقد الدولي نحو تسريح قسط أول من القرض المبرمج لتونس، قد باءت بالفشل، وهو ما قاد أوساطا تونسية إلى الحديث عن دور أمريكي في هذا الملف.
وفي وقت سابق، صرّحت رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الإيطالي ستيفانيا كراكسي، خلال زيارتها لواشنطن، بأن "موقف الولايات المتحدة الأمريكية من تونس لا يزال صعبا للغاية"، وأنه "لا يوجد مخرج في الوقت الراهن".

فيتو أمريكي ضد تونس

ومن وجهة نظر القيادي في حزب البعث التونسي، صهيب المزريقي، فإن "بصمة الولايات المتحدة الأمريكية تبدو واضحة في ملف مفاوضات تونس، مع صندوق النقد الدولي".
وأضاف المزريقي في تصريح لـ"سبوتنيك"، قائلا: "من المعلوم أن صندوق النقد الدولي هو اليد اليمنى للولايات المتحدة الأمريكية، وللقوى الغربية التي تسعى إلى التحكم في سياسات تونس بوصفها بوابة لأفريقيا".
رئيسة الوزراء الإيطالية تحث صندوق النقد الدولي على اتباع نهج "عملي" لإنقاذ تونس
ويرى المزريقي أن "أمريكا رفعت فيتو ضد حصول تونس على قرض من صندوق النقد الدولي"، مشيرًا إلى أن "موقفها (أمريكا) لاعلاقة له بالمسائل الحقوقية كما تروج لذلك قياداتها وإنما بموقفها من التطورات السياسية في تونس، ومن الخطاب الرسمي الذي يضع خطوطا حمراء ضد من يتدخل في شؤونها الداخلية".
وتابع: "من الواضح أن الشعارات التي رفعتها القيادة السياسية في تونس، بعد 25 يوليو(تموز) أقلقت الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعودت أن تكون لها اليد العليا في تعيين الرؤساء والحكام ورسم سياسات الدول التي تصنفها في خانة العالم الثالث".
وأشارالمزريقي إلى أن "أمريكا اصطدمت هذه المرة بصخرة السيادة الوطنية وبتصريحات الرئيس قيس سعيد، الذي عبّر بشكل واضح عن رفض بلاده لأي تدخلات خارجية أو لتلاعب السفراء أو للإجراءات التي تزيد من تفقير الشعب".
ويرى المزريقي أن "الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم ورقة صندوق النقد الدولي لابتزاز القيادة السياسة في تونس، من خلال ضرب البعد الاقتصادي والاجتماعي والدفع إلى المزيد من تأجيج الأوضاع".
وأضاف: "تواجه تونس حاليا نوعا من الحصار الاقتصادي الخارجي تقوده بالأساس الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل الضغط عليها أكثر وجعلها في عزلة دولية، ولكن هذه المساعي باءت بالفشل والدليل هو مشاركة تونس في العديد من القمم على غرار قمة "تيكاد" والقمة "الروسية - الأفريقية" والقمة "الفرنكفونية".
الرئيس التونسي يقترح ضريبة على الأغنياء بدلا من الخضوع لشروط صندوق النقد
ويعتقد المزريقي أن "الدولة التونسية مطالبة قبل أي وقت مضى بالتوجه نحو شراكات عالمية جديدة على غرار روسيا والصين، لكسر هذا الحصار وأن تعمل على بناء قوة وطنية ذاتية تسمح لها بتحقيق الأمن القومي الغذائي".

احتراز أمريكي من التوجه السياسي في تونس

ويفسر الباحث في الشؤون السياسية وتاريخ الاقتصاد أيمن البوغانمي، "التعنت الأمريكي" تجاه تونس، بعدم رضا الإدارة الأمريكية الحالية عن الوجهة العامة التي اتخذتها السياسات التونسية، بعد 25 يوليو/ تموز2021.
ويرى البوغانمي، في تصريح لـ"سبوتنيك"، أن "تأخر حصول تونس على اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي لا علاقة له بالإصلاحات الاقتصادية"، موضحًا، بالقول: "لقد باشرت الحكومة التونسية بالفعل في تنفيذ جزء من هذه الإصلاحات من خلال التخفيض في نفقات الدولة خاصة على مستوى التدخلات الاجتماعية، ولكن هذه السياسات غير معلنة والخطاب الرسمي للدولة التونسية لا يتبناها بشكل واضح وهو ما يزعج صندوق النقد الدولي، الذي اشترط منذ مدة أن تتبنى تونس هذه الإصلاحات كمشروع وطني وتسهم في نشر الوعي بأهميتها".
ويعتقد البوغانمي أن "الجوانب السياسية تطغى على الجوانب الاقتصادية في هذا الملف"، مشيرًا إلى أن "صندوق النقد ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية، لديهما احتراز على الخطاب السياسي الرسمي في تونس، الذي يرفض تدخل الأطراف الخارجية في رسم السياسات الداخلية، والذي يوصف بأنه معادٍ لصندوق النقد وسياساته".
الخارجية التونسية بشأن التوترات مع صندوق النقد الدولي... لدينا قنوات مفتوحة للمناقشة والشراكة
ويرى الباحث التونسي أن "التعنت الأمريكي تجاه تونس سببه وجود احتراز ضد التوجهات العامة لمسار 25 يوليو، سواء على المستوى السياسي أو الخطاب العام، الذي تعتبره واشنطن معاديا لمصالحها ومتناقضا مع القيم الغربية".

تونس تتخلى عن وصفة صندوق النقد

فيما يرى المحلل السياسي باسل الترجمان، في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "القيادة السياسية في تونس، تتجه نحو التخلي عن وصفة صندوق النقد الدولي لاعتبارات عدة".
وأوضح، قائلا: "بعد 25 يوليو، كان هناك موقف رسمي واضح بأن تونس، لن تقبل بتنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي، التي ستؤدي إلى أمر واحد وهو الدفع نحو انتفاضة شعبية، لأنها ستمس الشرائح الكبرى في تونس وهي الطبقات الفقيرة والمتوسطة وستزيد من إثراء الأغنياء وتفقير الفقراء".
وفرض صندوق النقد الدولي على تونس، تنفيذ حزمة من الإجراءات العاجلة مقابل الحصول على القرض، أهمها رفع الدعم والتقليص في كتلة الأجور.
وقال الترجمان: "لقد فهمت تونس أن الوصفة السحرية التي يريد صندوق النقد الدولي أن يقدمها لها لم تعطِ أية نتائج إيجابية في دول ليست بعيدة عنها، على غرار لبنان الذي غرق في كارثة مالية، ومصر التي انهارت قيمة عملتها وارتفعت الأسعار فيها بشكل غير مسبوق، والمغرب الذي يواجه اليوم ضغوطات كبيرة من أجل تخفيض قيمة العملة".
تونس تحصل على قرض بقيمة 268.4 مليون دولار من البنك الدولي
ولفت الترجمان إلى أن "الإصلاحات التي قامت بها تونس في، الآونة الأخيرة، بدأت تؤتي أكلها وجعلت الاحتياج إلى قرض صندوق النقد الدولي يتناقص تدريجيا".
وتابع: "تمتلك تونس اليوم احتياطا من العملة الصعبة يعادل 118 يوما، أي ما يقارب 4 أشهر من الواردات وهو رقم يعتبر جيدا جدا مقارنة بدول أخرى، كما تمكنت من تأمين أكثر من 70% من قيمة القروض التي عليها أن تسددها في نهاية هذه السنة".
من جهته أكد وزير الخارجية التونسية نبيل عمار، قد أكد، على هامش مؤتمر مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، خلال زيارته الأخيرة لروسيا، أن "تونس تمتلك بدائل عن صندوق النقد الدولي ستظهر ثمارها في الفترة القادمة".
وأشار إلى أن "قنوات الحوار مع الصندوق ستبقى مفتوحة ولكن لتونس خطوط حمراء".
مناقشة